مرض الدرن'السل' الذي يوافق هذا الشهر يومه العالمي, يصيب سنويا نحو9 ملايين حالة, وتقدر الوفيات بسببه بنحو مليوني شخص حول العالم بمعدل5 آلاف شخص يوميا, ورغم أنه أكثر الأمراض المعدية التي تؤدي للوفاة إلا أنه قابل للشفاء, وعادة ما يصيب الرئة, ورغم أن المرض شهد انحسارا في دول العالم المختلفة في السبعينيات, إلا أنه عاد للانتشار بصورة كبيرة في الثمانينيات من القرن الماضي نتيجة لإهمال سبل الوقاية منه في معظم أنحاء العالم نتيجة لانتشار الإيدز, ومع ذلك فقد أمكن خفض معدلات الإصابة بتوفير الأدوية والعلاجات الحديثة, وفي مصر أمكن السيطرة علي المرض, وبدأ ينحسر في مصر منذ بداية المشروع القومي لمكافحة الدرن الذي بدأته وزارة الصحة عام1989, حيث انخفضت معدلات الإصابة من192 بكل مائة ألف من السكان في الخمسينيات إلي24 بكل مائة ألف من السكان في عام2006, واليوم فإن العالم ـ وفق إحصائيات الصحة العالمية ـ بحاجة إلي650 مليون دولار للتمكن من تنفيذ الأنشطة الخاصة بمكافحته في عام2007 فقط.
ويقول الدكتور محمد عوض تاج الدين رئيس الجمعية المصرية لأمراض الصدر والتدرن, تتبع مصر برنامجا قوميا للسيطرة علي الدرن تقوده إدارة الأمراض الصدرية بوزارة الصحة بالتعاون مع كليات الطب بالجامعات المصرية, والجمعية المصرية لأمراض الصدر والتدرن, ويتم تنفيذه بالتعاون مع الصحة العالمية, ويهدف البرنامج للاكتشاف المبكر لمعظم حالات الدرن الجديدة, وضمان عدم عدوي المخالطين لمريض الدرن, إلي جانب توفير العلاج الناجح عن طريق الأدوية مضادة الدرن, وهي الطريقة العلاجية التي تعتمد علي تناول أربعة أدوية مختلفة يستمر تناولها لمدة شهرين ثم يعاد فحص البلغم فإذا ثبت أن الحالة تتحسن يتم وصف دواءين فقط للمدة المتبقية من العلاج وتتراوح من4 ـ6 أشهر, وهذا هو جوهر استراتيجية العلاج تحت الرقابة المباشرDOTS التي توصي بها الصحة العالمية لاكتشاف الدرن ومعالجته وقد أثبتـت فعاليتها العالية في علاج السل بمصر, و حققت نجاحا كبيرا, وجاءت نتيجة لتعاون جاد شاركت فيه منظمات دولية وجهات ومنظمات حكومية وأهلية وأفراد.
ويحذر الدكتور محمد عوض من إهمال تناول الأدوية إذا شعر مريض الدرن بتحسن ما فهذا لا يعني الشفاء, ولكنه في هذه الحالة مريض سلبي يحمل الميكروب أما من خلال تناول مجموعة الأدوية المكررة ومن خلال المتابعة يتحول المريض إلي ايجابي وغير معد, كما إن إيقاف تناول العقاقير فجأة أو تناولها بدون اعتناء بين الحين والآخر يتسبب في مشكلات خطيرة, و أولاها انه يزيد من فرص تكرار العدوي والانتكاسات. وثانيتها أنه يعد الساحة لظهور بكتيريا مقاومة للعقاقير, وهي حالة يفقد فيها الدواء المضاد للميكروب فاعليته, ويصبح غير قادر علي قتله, ومشكلة مقاومة العقار تتصاعد, وبعض أنواع بكتيريا السل التي تدور حاليا في الدم تقاوم بالفعل جميع المضادات الحيوية التي كانت تقتل ميكروب الدرن, وتسمي هذه الحالة السل المقاوم للأدوية, ومنذ عامين بدأنا بالتعاون مع الصندوق الدولي توفير الأدوية النوعية المقاومة لجراثيم الدرن من خلال شبكة مستشفيات علاج الدرن في مصر.
من جانبه أوضح الدكتور عصام المغازي مدير المركز القومي لمكافحة الدرن أن مصر تصنف عالميا ضمن الدول متوسطة الإصابة بالسل,, وحذر من خطورة ظهور حالات إصابة في المناطق العشوائية التي يتكدس سكانها في غرف مغلقة وضيقة, داعيا إلي أهمية إجراء الكشف علي المخالطين للمريض, وزيادة التوعية بالإجراءات الصحية, وأرجع زيادة انتشار المرض, إلي ضعف مناعة شريحة كبيرة من المواطنين بسبب الاعتماد علي أساليب غذائية غير سليمة وانتشار الوجبات السريعة التي تؤدي إلي نقص المناعة.
ويقول الدكتور أحمد حامد عطية استشاري الأمراض الصدرية ورئيس الحملة القومية للدرن أنه من الممكن علاج المرض والشفاء منه طالما التزم المريض بالعلاج, ويفضل أن يحصل حامل العدوي أيضا علي العلاج حتي لا تتحول العدوي الكامنة إلي إصابة فعلية, وفي معظم الحالات قد لا تتحول العدوي إلي إصابة نشطة بالدرن, وتظل البكتيريا غير نشطة لدي حاملي العدوي طوال فترة حياتهم دون أن ينقلوا العدوي لغيرهم, لكن البكتيريا تصبح نشطة وتنمو وتتكاثر وتتحول إلي درن نشط فقط لدي المرضي ضعاف المناعة, وعندئذ تهاجم الجسم وتدمر أنسجته, ومن الممكن أن تتسبب في حدوث ثقب بالرئة, ويحذر من إمكانية تحول العدوي إلي مرض عند الشباب نتيجة للسهر والإرهاق البدني وسوء التغذية وانخفاض المناعة وممارسة العادات الصحية غير السليمة وأولها التدخين, وينصح بأهمية تجنب مخالطة المرضي الذين يشكون من أعراض صدرية, كما أن علي هؤلاء المرضي تجنب العطس والسعال في وجه الآخرين, وتخصيص أدوات منزلية لهم طوال فترة المرض, كما ينصح المرضي بعدم البصق علي الأرض, لأن ذرات البصاق عندما تجف تنتشر في الهواء وتسبب العدوي للغير.
ويري الدكتور مدحت الشافعي أستاذ الأمراض الباطنة والمناعة بطب عين شمس أن من أسباب عودة انتشار الدرن في كثير من دول العالم كثرة استخدام المضاد الحيوي الخاص بميكروب الدرن في علاج حالات التهابية بسيطة مثل التهابات الحلق والجيوب الأنفية أو الأذن الداخلية. أما الدرن الرئوي في الأطفال, فيقول الدكتور نادر عبدالمنعم فصيح أستاذ طب الأطفال بجامعة الإسكندرية إن هناك صعوبات في التشخيص المبكر لحالات الدرن الرئوي في الأطفال, حتي الدراسات الحديثة من قبل الصحة العالمية,
كما أن هناك مشكله معقدة في تشخيص المرض في الأطفال تؤدي إلي زيادة كبيرة في تشخيص حالات ليست هي بالتأكيد درن رئوي, وفي الوقت نفسه يفقد عدد أكبر من الحالات هي بالفعل درن رئوي لغياب دليل قومي موحد لتشخيص هذا المرض في الأطفال في مصر إلي الآن كما هو معمول به في معظم دول العالم, وكذلك لغياب الوعي بأهمية وجود بكتيريا السل المقاومة للأدوية التقليدية ومدي خطورة هذا الموضوع علي صعوبة مقاومة هذا المرض الخطير في المستقبل, ولابد من الاعتماد علي الوسائل التقليدية وغيرها من وسائل التشخيص الحديثة كالأشعة المقطعية ذات الحساسية العالية ومناظير الشعب الهوائية لأخذ عينه من الغسيل الشعبي أو الشعب نفسها في بعض الحالات التي يزداد الشك في التشخيص دون دليل مادي علي التشخيص.
يقول الدكتور نبيل الدبركي رئيس المركز القومي للحساسية والصدر إن المرض عادة ما ينتشر في الأوساط الفقيرة والأماكن العشوائية, حيث الغذاء ضعيف والسكن غير صحي, والدرن كان قد انتهي تماما في الدول المتقدمة لكنه عاد بصورة أكثر شراسة ومقاوم للأدوية الحديثة, وعندنا في مصر قلت نسبة الإصابة به لعدة عوامل منها إنشاء المدن الجديدة ذات المساكن الصحية والوعي الصحي للمواطنين وطرق الوقاية وسرعة اكتشاف المرض مبكرا, وفي هذا الإطار تبنت وزارة الصحة والسكان برنامجا قوميا لمكافحة الدرن يطبق في جميع المحافظات بحيث يتم الاكتشاف المبكر للمرض وتقديم العلاجات الحديثة بالمجان, وللقضاء علي المرض يجب الابتعاد عن التدخين وخاصة في الأماكن المغلقة والابتعاد عن عادة الشيشة السيئة والمخدرات والكحوليات والاهتمام بالغذاء الجيد والمسكن الصحي والتعرض لأشعة الشمس وممارسة الرياضة.
ولأن التدخين من عوامل الخطورة وراء الإصابة بالمرض, يوضح الدكتور طارق محفوظ رئيس قسم الصدر رئيس بطب أسيوط أن وباء التدخين في صعيد مصر يختص بمجموعة فريدة من الخواص, حيث تختلف أنماط التدخين في الصعيد عن الوجه البحري, فهي تتميز بارتفاع نسب تدخين الجوزة عن السجائر وكذا زيادة نسبة تدخين السجائر المصنوعة يدويا, واستحدث المجتمع الصعيدي أنماطا فريدة للتدخين حيث استحدثوا الجوزة المتنقلة والمصنعة يدويا وهي عبارة عن علبة مبيد حشري فارغة, كما تنتشر في الصعيد عادة مضغ التبغ خاصة في أقصي الجنوب وتسمي بالمضغة وهم يتعاطونها عن قناعة بأنها ليست لها أضرار التدخين لأنها ليست عن طريق الاستنشاق, في حين أن أضرار مضغ للتبغ قد تفوق أضرار التدخين لأن امتصاص النيكوتين في الحالة الأولي يتم عن طريق الأوعية الدموية الموجودة بالغشاء المخاطي للفم.