شاطئ الذكريات
وأظل وحدي أخنق الأشواق في صدري .. فينقذها الحنين ، لو كنت أعلم أنني سأبحر في بحر الألم ، لو كنت أعلم أنني سأذوب كقطعة ثلج في لهيب الشوق .. لبقيت وحدي أكتب الأشعار في دفاتري وأتيتك زائراً كبقية الناس ويكفيني السلام .
هنا .. هنا على شاطئ الذكريات أجلس وبجواري بعضاً من الأمل ، في لقاء من أحببت ومن كتبت له أخر قصائدي ، حبيبي .. لا حب بعدك ولا شئ يملأ أيامي المقبلات ، اعتزلت مهنة الحب ورحلت عني ما تبقى من أمنياتي ، هنا .. هنا على شاطئ الذكريات ، ولد حباً في صمتٍ ومات أيضاً في صمتٍ ، وبقيت وحدي للشقاء ، أجلس وثوبي يفضحني وبي قيدا لا أذكر عمره ، والموج كعادته يتسابق موجة تلو الأخرى تأتيني كل واحدة بصورة من الماضي .
فنظرت إلى السماء لعلي أرى شهاباً يعطيني الأمل في الغد ، لكني رأيت وجه حبيبي في أول ظهور القمر ، رأيته يدنو .. يقترب كثيراً ، تفوح منه رائحة الياسمين ، تزفه الطيور وتتراقص فرحاً ، تتمايل الكائنات من حوله طرباً .. يبتسم فتبتسم الدنيا ، وحين يستمع له الكروان يعلن تنازله عن عرشه .. وإنتهاء اسطورته في العزف المنفرد على أوتار الجمال ، كشذى الورود يسري في شرايين قلبي ، فها هو يقترب إلي ، يضمني بأجنحة الأمل فيعود لي نبض الحياة ، بعد أن ضناني الشوق ولوعة الفراق ، أنتظرتك طويلاً حبيبي ، هنا على شاطئ الذكريات ، ورأيت الطيور تحرسه وترفرف من فوقه عصافيراً من الجنة ، يتمايل كالطاووس محتضن سيفه الحريري الذي طالما أدمى به قلبي ، وأسره بشجنه وفتنه ببهجته ، وحين لامس جسدي النحيل شعرت بقلبي ينبض مرة أخرى ، غير مصدق أننا معاً ، في ذهول إرتميت في أحضانه .. بكيت على صدره ، كالطفل المشتاق لحضن أمه الحنون ، دفنت رأسي بين ضلوعه ، ضممته ضمة العاشق المحروم .
لكنه بدأ في ممارسة هوايته ، راح يستعذب آهاتي ، فحين دعوته لأن يسكن وجداني ويكون جزءاً من كياني مرة أخرى ، تمرد .. تدلل .. أسفر عن جبروته ..، أعلن عن كبريائه ، فمسك سهماً من سهامه الوردية ورماني ...
لم تنفع بشئ توسلاتي ، رجوته أن ينتظر ليشفي غليل قلبي الولهان ، لكنه تركني ورحل فتعلقت بردائه الناعم ، لكنه تمادى في ظلمه وجبروته ، لم تشفع عنده دموعي المؤلمة .
إنه صوتها الطاغي الذي تركني أنزف ألماً ، أتألم وأشرب مرارة الفراق من جديد بعد أن كان أقرب من حبل الوريد .