الحلقة الخامسه
استكمالا لانواع الحب وكما ذكرت من قبل وفى هذا الجزء سأذكر ما قيل عن الحب فى ثراثنا الفلسفى العربى
أخوان الصفاء وماهية العشق
كانوا اكثر المفكرين اهتماما بالحب فقد حرصوا ان يعرضوا فى رسائلهم "الرسالة السادسة من النفسانيات العقليات " لماهية العشق من حيث انواعه ونشأته واسبابه واغراضه . . الخ . . وتبدأ الرسالة بذكر اقوال الفلاسفة والحكماء عنه: "فمنهم من ذكر العشق وذمه وذكر مساوىء اهله وقبح اسبابه وزعم انه رذيلة " واذا كانت هذه فئة من الفلاسفة والحكماء ترفض الحب بانواعه فإن هناك طائفة اخرى تذهب الى ان العشق فضيلة نفسانية وهم يذكرونه بالخير . . فهم يمدحونه ويذكرون محاسن اهله وزين اسبابه
اما الفريق الثالث : فه "اللا أدرية " بلغة الفلسفة اى الذين لا يعلمون شيئا عن علله واسبابه ودقة معانيه فذهبوا الى انه "مرض نفسانى " او "جنون إلهى " او "همة نفس فارغة " او انه "فعل البطالين الفارغى الهمم الذين لا شغل لهم " غير ان هذه الفئه الاخيرة فى رأى إخوان الصفاء ـ مخطئة تماما فى فهم الحب . . فهو ليس من فعل البطالين كما زعم من لا خبرة له بالامور الخفية والاسرار اللطيفة بل ان الحب لايدرك الابصفاء الذهن وجودة التمييز وكثرة الفكر وشدة البحث ودقة النظر . . وهذه أمورهم بمعزل عنها ومن هناء جاءت أحكامهم المبتسرة التى تذهب الى ان العشق "مرض نفسانى "او جنون إلهى ..وواصلوا حديثهم الفج بأنه يؤدى الى سهر الليل ونحول الجسم وتوتر النبض . . مثلما يعرض للمرضى . . فظنوا انه مرض نفسانى والسبب انهم لم يجدوا له دواء يعالجونه به .......ولا شربة يسقونها للعاشقين فيبرؤون مما هم فيه من المحن والبلوى ......وفى ذلك يقول العاشق : بذلت لعراف اليمامة حكمة ........وعراف نجد إن هما شفيانى
فما تركا من سلوة يعرفانها ..........ولا رقية إلا بها رقيانى
فقالا :شفاك الله ! والله مالنا ........... بما ضمنت منك الضلوع يدان
ــ تعريف العشق
يقدم إخوان الصفاء تعريفات كثيرة للعشق منها تعريف يقول : العشق هو إفراط المحبة ..وشدة الميل الى نوع الموجودات دون سائر الانواع ..والى شخص دون سائر الاشخاص ..او الى شىء دون سائر الاشياء بكثرة الذكر له . . وشدة الاهتمام به اكثر مما ينبغى .. فاذا كان العشق هو ذا . . فليس إذا أحد من الناس يخلو منه . . اذا كان لا يوجد احدا إلا وهو يحب ويميل الى شىء دون سائر الاشياء
ويقدمون تعريفا اخر يقول : إن العشق هوى غالب فى النفس او هو شدة الشوق الى الاتحاد وفى ذلك يقول الشاعر
أعانقها . والنفس بعد مشوقة ...... إليها وهل بعد العناق تدانى ؟
وألثم فاها كى تزول صبابتى ...... فيزداد ما ألقى من الهيمان
كأن فؤادى ليس يشفى غليلة ...... سوى أن يرى الروحين يمتزجان
ــ موضوع العشق
أما موضوع العشق فهو يختلف تبعا لاختلاف النفس ولما كانت الانفس ثلاثة انواع ــ على ما ذهب افلاطون وارسطو ــ كانت موضوعات العشق ثلاثة انواع ايضا : 1ــ النفس النباتية الشهوانية . . وعشقها يكون نحو المأكولات والمشروبات والمناكح
ــ النفس الغضبية الحيوانية وعشقها يكون نحو القهر والغلبة وحب الرياسة
ــ النفس الناطقة . . يكون نحو المعارف واكتساب الفضائل
ولا يخلو احد من البشر من هذه الانواع الثلاثة او يأخذ نصيبا من كل واحد منها قل او كثر . . حسب ارتباط مولده بنجم من النجوم ..فاذا ارتبط بالقمر او الزهرة او زحل . . فان الغالب على طبيعتة شهوة "الجماع والمناكح " وان كان المسيطر على مولده الشمس والمريخ كان الغالب على طبيعته شهوة النفس الغضبية فهو القهر والغلبة وحب الرياسة . . وان كان المسيطر فى اصل مولده الشمس وعطارد والمشترى غلب على طبيعته شهوات النفس الناطقة نحو المعارف واكتساب الفضائل والعدل
ــ امتزاج العاشقين
كل نفس اذا احبت شيئا اشتاقت . . نحوه وطلبته وتوجهت اليه حيث كان ولم تلتفت الى شىء سواه . . وكما قال الشاعر
أحب حبيبا واحدا لست أبتغى ...... مدى الدهر عنه ما حييت بديلا
فإن ظفرت كفى به فهو يغنينى ...... وان فات ما ابغى سواه خليلا
غير ان العاشق الولهان متى تحقق له ما اراد ووصل الى ما يهواه وبلغ حاجته من التلذذ بقرب الحبيب . . فانه لابد من يوما من ان يفارقة او يمله وتذهب تلك الحلاوة ولا يبقى الا المحبون لله تعالى من المؤمنين والمشتاقين اليه . . فان لهم كل يوم من يحبونهم قربة ومزيدا أبد الآبدين وبلا نهاية ولا غاية .... ومن هنا قال الحكماء : ان الله هو المعشوق الاول . . والفلك إنما يدور شوقا اليه . . وجميع الموجودات إلية تشتاق . . ونحوه تقصد واليه يرجع الامر كله . .لان به وجودها وقوامها وبقاءها ودوامها وكما له لانه هو الموجود المحض . . وله البقاء والدوام السرمد والتمام والكمال المؤيد
وتحمل رسالة إخوان الصفاء فى ماهية العشق اول اشارة صريحة الى الحب الافلاطون .. حب الاستاذ للتلميذ وهو عنده ذو اهداف تربوية وهو نتاج اوضاع حضارية ولهذا لاتعرفه غير البلاد ذات الحضارة . . ويؤكد افلاطون اعتزازه بهذا الحب انه يصف محبة الرجال للنساء وعشقهن بانه مركوز فى طباع اكثر الحيوانات التى لها سفاد وذلك للمحافظة على بقاء النسل
الموضوع القادم
عن
الحب . . والموت